post-pics-okaz

خالد عباس طاشكندي «جدة»

استقصت «عكاظ الاسبوعية» حقيقة الجامعات «الوهمية» في عدة حلقات، ولاحقت السراب الذي يقف خلفه ثلة من المحتالين يعملون على بيع شهادات «وهمية» لا قيمة لها ولا تمت بالعلم وغاياته النبيلة بصلة. واستكمالا في سرد الحقائق حول الجامعات «الوهمية» وحتى لا تترك شاردة أو واردة في إثبات وجودها ونشاطها المشبوه.
عدنا إلى نقطة البداية بحثا عن جذور نشأة الشهادات «الوهمية» وكيف بدأت الجهات المسؤولة في رصد هذه الشهادات «الوهمية» ومصادرها.

لذلك كان أمرا مهما الوصول إلى لجان معادلة الشهادات الجامعية في وزارة التعليم العالي نظرا لأنها هيئة أكاديمية مركزية متخصصة، تقوم بالدرجة الأولى على فحص الشهادات الأكاديمية بعد الثانوية التي ترد من خارج المملكة لمواطنين سعوديين أو غيرهم، ومعادلتها بالسلم التعليمي المطبق في المملكة في المدة والمقررات والشروط والمتطلبات
في الماضي، كانت عملية معادلة الشهادات كافة تتم من قبل وزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم حاليا) وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 542 في 30/10/1385هـ الذي قضى بأن تتولى الوزارة بواسطة لجنة المعادلات الموجودة بها تقويم الشهادات وتحديد ما تعادله كل شهادة بالنسبة لمثيلاتها في المملكة، وكذلك تحديد الجامعات والمعاهد التي تعتمد شهاداتها.
وبعد استحداث وزارة التعليم العالي عام 1395هـ صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 314 وتاريخ 9/3/1397هـ باستحداث لجنة لمعادلة الشهادات الجامعية بوزارة التعليم العالي تتولى تقويم ومعادلة الشهادات الصادرة من جامعات العلم بمثيلاتها التي تمنحها جامعات المملكة وتحديد الجامعات التي تعتمد شهاداتها ويصدر بتشكيلها وتنظيم سير العمل فيها قرار من وزير التعليم العالي على أن يبقى لوزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم حاليا) مهمة تقييم ومعادلة الشهادات ما قبل المرحلة الجامعية.
وبدورها المعتاد في البحث عن الحقيقة، توصلت «عكاظ الاسبوعية» إلى ثلاثة من أعضاء أول لجنة أقرتها الدولة لمعادلة الشهادات الجامعية في وزارة التعليم العالي لاستكمال كشف الحقائق حول الجامعات «الوهمية» وهم معالي وزير الحج سابقا ورئيس أول لجنة معادلات الدكتور محمود محمد سفر، ومعالي وزير التربية والتعليم سابقا وعضو في أول لجنة معادلة الشهادات الجامعية الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، ومعالي عضو هيئة كبار العلماء الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان وهو أيضا عضو سابق في أول لجنة معادلات.
في البداية توجهنا إلى معالي الدكتور محمود سفر بحكم أنه أول من ترأس لجنة معادلة للشهادات الجامعية (عام 1395هـ)، وحاورناه حول لجنة المعادلات منذ النشأة وكيفية تحديد الجامعات الوهمية والتصدي لها.. فإلى نص الحوار:
• كيف كانت نشأة لجنة معادلة الشهادات الجامعية في وزارة التعليم العالي ودورها؟.
•• لقد أتت أهمية استحداث لجنة لمعادلة الشهادات الجامعية من واقع أن الكثير من المواطنين يبتعثون للخارج للحصول على درجات علمية من جامعات مختلفة ودول عديدة أو يدرسون على حسابهم الخاص، ويترتب على ذلك مستويات أكاديمية متباينة، مما يتطلب وجود جهاز علمي يتولى تقويم هذه الدرجات العلمية بمثيلاتها الممنوحة من جامعات المملكة، وكذلك الاتصال بالهيئات العلمية المماثلة خارج المملكة للتعرف على أحدث الاتجاهات والأساليب المتبعة في تقويم ومعادلة الدرجات العلمية. وساعد وجود مثل هذه اللجنة على وضع الخطوط العريضة والأساليب للابتعاث إلى الجامعات المختلفة حول العالم التي يتم تقويم درجاتها العلمية، ومعاونة الأجهزة الإدارية في المملكة على تقويم الدرجات العلمية وخبرات الذين تستقدمهم للعمل بها.
وكان لي الشرف في الانضمام إلى هذه اللجنة التي شكلها معالي وزير التعليم العالي سابقا الأستاذ حسن بن عبدالله آل شيخ رحمه الله وكلفني رئيسا لها، وتكونت اللجنة من أكثر من عشرين عضوا من أساتذة الجامعات «متخصصين في مختلف فروع المعرفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والبحتة التطبيقية» بالإضافة إلى ممثلين لوزارة التعليم العالي (البعثات) ولوزارة الخدمة المدنية ومستشار قانوني من الوزارة وتجتمع عدة مرات شهريا للنظر في الشهادات والأمور المعروضة عليها بعد أن يكون كل عضو قد تلقى الحالة المحالة إليه ودرسها قبل الاجتماع، وللجنة لائحة داخلية تنظم أسلوب عملها واجتماعاتها، وتحتفظ اللجنة بمكتبة خاصة تضم أبرز الأدلة عن منظمات الاعتماد الأكاديمي وجامعات العالم وعن الجامعات التي تمر على اللجنة شهادات منها.
• لماذا انتقلت عملية معادلة الشهادات الجامعية من وزارة المعارف آنذاك إلى لجنة تتبع وزارة التعليم العالي؟.
•• تتبع هذه اللجنة وزارة التعليم العالي باعتبارها الجهة القائمة على شؤون التعليم الجامعي في المملكة، كما أن وزارة التعليم العالي تندرج تحتها مسؤوليات واختصاصات كل ما يتعلق بشؤون الجامعات، فضلا عن أن وجود تلك اللجنة بالوزارة يساعدها على مباشرة اختصاصاتها في المسائل المعلقة بالابتعاث.
• بحكم عملكم سابقا رئيسا لهذه اللجنة التي أنشئت في منتصف السبعينات الميلادية، هل واجهتم قضايا متعلقة بجامعات «وهمية» وشهادات «وهمية» كما نسمع عنها هذه الأيام وباتت ظاهرة ملموسة؟.
•• نعم بالتأكيد اكتشفنا العديد من الجامعات «الوهمية» في ذلك الوقت، وهذه الظاهرة كانت موجودة منذ ذلك الوقت ولكنها لم تكن متفشية بالشكل الذي أصبحت عليه في الوقت الحاضر وهو أمر في غاية السلبية وبحاجة إلى التصدي له بشكل أكثر فعالية.
• وكيف أدركتم أن هناك جامعات «وهمية» في ذلك الوقت؟.
•• كانت تعرض علينا مجموعات من الشهادات الصادرة عن جامعات غير معروفة والمطلوب معادلتها، وبالعودة إلى الأدلة المرجعية عن هيئات الاعتمادات الأكاديمية وقوائم الجامعات لم نجد أسماء تلك الجامعات ضمنها والتي بدأت تصلنا شهادتها بكثرة وهو ما أثار شكوكنا حولها.
• وكيف تأكدتم بأنها جامعات «وهمية»؟ أم أنها مجرد جامعات «غير معتمدة» أكاديميا؟.
•• قمنا بانتداب مجموعة من أعضاء اللجنة إلى تلك الجامعات لمعرفة الحقيقة، وعاد بعضهم بالشهادات «الوهمية» لإثبات الحقيقة عمليا.
• من هم هؤلاء الأعضاء الذين استطاعوا إثبات «وهمية» تلك الجامعات؟ وما هي أبرز تلك الجامعات؟.
•• لا أذكر أسماء الجامعات لأن اللجنة مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما، ولكن أتذكر من الأعضاء المنتدبين معالي وزير التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد الرشيد ومعالي الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان عضو هيئة كبار العلماء، وأفضل أن تسمع القصة كاملة منهم.
• ما هي الرسالة التي تودون توجيهها لمن يبحث عن حمل شهادات «وهمية»؟.
•• أولا يجب التحذير من هذه الجامعات والإشارة إلى وهميتها لتوعية المجتمع منها، وحمل هذه الشهادة خيانة للأمانة وللعلم وللمجتمع والوطن.
إلى هنا، انتهى حوارنا مع معالي الدكتور محمود سفر رئيس أول لجنة معادلة للشهادات الجامعية في التعليم العالي، والذي لفت انتباهنا لإكمال المشوار ومقابلة عضوين آخرين من اللجنة الأولى لمعادلة الشهادات الجامعية لكشف حقائق أخرى.
وبناء عليه، ذهبنا إلى معالي وزير التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وأحد أعضاء اللجنة الأولى لمعادلة الشهادات الجامعية في التعليم العالي.. فإلى نص الحوار:
• بحكم عملكم سابقا في أول لجنة معادلات للشهادات الجامعية بالتعليم العالي، ما هي قصة حصولكم على شهادة «وهمية»؟.
•• عندما كنت عضوا في لجنة المعادلات، عرضت على الأعضاء مراجعة معادلة شهادة دكتوراه صادرة من جامعة أمريكية من ولاية كاليفورنيا يطلب صاحبها الاعتراف بها، وحين رجعنا إلى الكتاب السنوي المعنون (الجامعات الأمريكية المعترف بها) لم نجد اسم الجامعة المانحة لتلك الشهادة مدرجا من بين الجامعات المعترف بها، وعليه تقرر انتدابي بصحبة أحد زملائي في اللجنة آنذاك وهو معالي الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان لتقصي الحقائق عن تلك الجامعة وغيرها، وعند وصولنا إلى الولايات المتحدة انضم إلينا الأستاذ عمر البيز الملحق الثقافي السعودي في كاليفورنيا آنذاك، ثم توالت المفاجآت عند بلوغنا موقع الجامعة المذكورة والتي لم تكن سوى غرفة خشبية تابعة لملحق في أحد المباني السكنية الواقع في أحد الأزقة الفرعية في ضواحي تلك المدينة، ولم نجد في الجامعة المزعومة سوى موظفة استقبال ومدير الجامعة الذي لم يتوان في الموافقة على منح ثلاثتنا مجموعة من شهادات الماجستير والدكتوراه بعد مقابلة قصيرة ادعى كل منا أنه يملك خبرات عملية في مجالات متفرقة، وكانت خبراتنا كافية لمنحنا الشهادات العليا. وهذا بالإضافة إلى مساومتنا له على أسعار الشهادات، بحيث إن طلب الماجستير مع الدكتوراه سويا يعطينا الحق في الحصول على تخفيض، ولكننا ذكرنا له أننا مجموعة ونستحق تخفيض أكبر، فوافق مدير الجامعة على الفور وخفض المبلغ الإجمالي إلى 3 آلاف دولار عن شهادتي الماجستير والدكتوراه لكل منا.
• ما هو رأيكم حول حمل الشهادات «الوهمية»؟ وهل هي جريمة؟.
•• شراء هذه الشهادات واستغلالها فيه تضليل وخداع للمجتمع، وهي جريمة بكل تأكيد.
لم نتوقف إلى هذا الحد، بل واصلنا المشوار في البحث عن المزيد من الحقائق بالتواصل مع معالي عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان وأحد أعضاء اللجنة الأولى لمعادلة الشهادات الجامعية في التعليم العالي سابقا.
• سرد لنا معالي الدكتور محمد الرشيد زميلكم سابقا في لجنة معادلة الشهادات الجامعية واقعة منحكم شهادات عليا من إحدى الجامعات «الوهمية» في الولايات المتحدة أثناء استقصائكم الحقيقة، ماذا كان تصوركم عن تلك الواقعة؟.
•• واقعة لا تنسى من الذاكرة، وقد طلبت في ذلك اليوم شهادتي الماجستير والدكتوراه سويا حيث كان عليها عرض مخفض، وكان الهدف من شرائها إثبات «وهمية» تلك الجامعة وتوثيق ذلك لدى وزارة التعليم العالي حين كنت عضوا في لجنة معادلة الشهادات الجامعية وانتدبت لتقصي الحقيقة، وكانت تلك الجامعة وأخواتها من الجامعات «الوهمية» في ذلك الوقت أشبه بنظام «دكاكين البيع والشراء»، وهذه الجامعات طورت نهجها في الوقت الحاضر مع دخول تقنيات التواصل عبر مواقع الإنترنت التي سهلت من تفاقم الظاهرة وتفشيها.
• بما أن لجنة المعادلات في ذلك الوقت اكتشفت حقيقة تلك الجامعات «الوهمية» والشهادات الصادرة عنها، لماذا لم تقم اللجنة بمعاقبة وتجريم من يحمل تلك الشهادات؟.
•• لم يكن من صلاحيات أو اختصاص لجنة معادلة الشهادات الجامعية إصدار عقوبات، ولكن كنا نعد تقريرا مفصلا عن سبب رفض معادلة الشهادة وتسليمه إلى الجهات الرسمية التي تقدمت بطلب المعادلة، وهي التي يفترض منها تقييم الحالة وإصدار العقوبات حسب ما تنص عليه لوائحها.
• ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الباحثين عن الشهادات «الوهمية»؟.
•• الغاية من الشهادة هي اكتساب العلم، والارتقاء بالمستوى العلمي للأفراد وخدمة الوطن، حيث تتم ترجمة ذلك التحصيل العلمي إلى واقع عبر المساهمة في تحقيق خطط التنمية، وهذا هو الاستثمار البشري الذي ينهض بالأمم ويقودها إلى المقدمة في جوانب مختلفة، أما السعي نحو الحصول على الشهادة «الوهمية» لغرض التباهي بها اجتماعيا والحصول على المكانة والوجاهة في أوساط المجتمع دون أدنى مراعاة للمستوى الأكاديمي أو لمدى توافق تلك الشهادة مع حاجة البلد وأسواق العمل فستكون هذه الشهادات معول هدم وليس بناء ووسيلة للتخلف وليس للتقدم، وتنقلب عندها الأمور، وتنحرف الغاية، وتحيد عن الهدف الأسمى وهو العلم، والحصول على هذه الشهادة «الوهمية» يتم بطريقة غير شرعية ولا قيمة لها.

https://www.okaz.com.sa/ampArticle/566050