بدعوة كريمة من «مركز مقاصد الشريعة الإسلامية» في مكة المكرمة حاضرنا فضيلة عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عن المقاصد في المناسك وكانت محاضرة قيمة عدد فيها مقاصد الشرع في أداء فريضة الحج وأن من ضمن هذه المقاصد إعادة الحج، شعائر ومشاعر إلى أصالة من التوحيد الخالص وفق ملة إبراهيم عليه السلام، وإني أؤيد فضيلته فيما ذهب إليه بضرورة الاهتمام بفقه التيسير في جميع العبادات والمعاملات، وأبدأ متسائلاً هل كل ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حجته يحتمل على الوجوب ويدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: « خذوا عني مناسككم ..؟ « أم أن من أفعاله صلى الله عليه وسلم ما يحمل على الوجوب ومنها ما يحمل على الندب والاستحباب ، ومنها ما هو في حكم الإباحة ورفع الحرج عن الفعل أو الترك؟ فيكون في هذا تيسير على الناس ورفع الحرج عنهم لا سيما في أوقات الزحام كما هو حاصل في أيامنا هذه ونحن في أمسّ الحاجة إلى الأخذ بالأيسر والأسهل.
لقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً فهل يجب هذا على كل الحجيج فيطوفون بالكعبة وهم راكبون؟ ودخل عليه الصلاة والسلام الكعبة وصلّى في داخلها فهل هذا واجب في المناسك وبدونه يكون حجنا ناقصاً أو غير مقبول. وشرب صلى الله عليه وسلم اللبن في عرفات وهو على راحلته فهل هذا من المناسك لا يكون حجنا صحيحاً إلاّ به. كما نزل النبي الكريم في المحصب وبات فيه عند رجوعه إلى المدينة فهل هذا واجب يتحتم على الحجاج فعله؟ كل هذه الأفعال التي ذكرتها سابقاً ليس فيها وجوب ولا حتى استحباب بل منها ما هو مكروه بل ويحرّم تماماً مثل الطواف راكباً في حق المقتدر على المشي. إذاً فليس كل صغيرة وكبيرة من أفعاله عليه الصلاة والسلام في الحج تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : «خذوا عني مناسككم» وإنما يحتاج الأمر إلى تفعيل وبيان ممن يملك القدرة على ذلك ولديه الدليل ولا تعوزه الحجج . إن عامة أهل العلم قالوا بأن فعله صلى الله عليه وسلم الذي فيه معنى القربة إلى الله إذا لم يصاحبه قول فإنه يُحمل على الندب والاستحباب وبهذا قال الإمام ابن حزم في كتاب المحلى (7/97) وكذلك الامدي في الأحكام (1/174) وابن الهمام في كتابه التحرير (3/123) والقاضي أبويعلى في العدة (3/737) والذي نقل عن الإمام أحمد قوله بأن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ليست على الإيجاب إلاّ أن
يدل دليل ..
فليس إذاً كل أفعاله في المناسك تُحمل على الوجوب وإنما يُنظر في وجوب الإتباع فيما صاحب الفعل القول مثل قوله عليه الصلاة والسلام: « الحج عرفة «في ركنية الوقوف، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الصلاة أمامك»في سنية جمع
المغرب والعشاء في المزدلفة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه أيام التشريق: «افعل ولا حرج» في جواز تقديم وتأخير المناسك بعضها عن بعض.
وما أحوج الناس اليوم إلى فقه التيسير والأخذ به في الحج وأداء المناسك وتتبع مقاصد الشارع الحكيم لئلا يقعوا في الحرج والضيق والمشقة بسبب كثرة الزحام وزيادة أعداد الحجاج عاماً بعد عام، ولعل ما حدث في السابق من تدافع عند رمي الجمرات رغم أن هناك الكثير من الأقوال تجيز الرمي للحاج قبل الزوال وبعد الزوال وفي رواية للإمام أحمد بجواز الرمي يوم الثاني عشر قبل الزوال، وقد رجّحه بعض صحابة رسول الله في الليل دون عجز أو مرض رفقاً بأنفسهم ونسائهم وأطفالهم كما في المصنف في الأحاديث والآثار (3/398)، كما أجاز الإمام أبو حنيفة الرمي يوم النفر من منى من الصباح وحتى الليل كما أجاز الرمي قبل الزوال في الأيام كلها وعلى مدار الساعة، عطاء التابعي فقيه مكة وطاووس فقيه اليمن كما ورد في التحفة عن الرافعي وهو شافعي المذهب بجواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال مطلقاً.
https://www.okaz.com.sa/article/69381#.X6QQIeExKzA.whatsapp