القى الدكتور عبدالوهاب ابراهيم أبوسليمان بفندق الانتركونتننتال بمكة المكرمة مساء الاربعاء الماضي محاضرة بعنوان«الدماء والأموال في خطبة الوداع» ضمن برنامج ندوة الحج الكبرى التي تنظمها وزارة الحج كل عام وذلك وسط حضور كبير من ضيوف الوزارة من علماء ومفكرين واكاديميين وطلاب علم.. وفيما يلي نص المحاضرة: حجة وداع النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر من دلالة في الشريعة الإسلامية، ليس فيما يخص الركن الخامس من أركان الإسلام فحسب، بل إن دلالاتها شاملة لكل مبادئ الإسلام وقواعده . توقيتها توقيت إلاهي مناسب حيث تأتي في ختام فترة الرسالة المحمدية، مقررة، ومؤكدة، بل متوجة لجهاد النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالة ربه جل وعلا على مدى ثلاث وعشرين سنة، لاجرم أن تكون وقائعها المدونة من أهم النصوص الشرعية وأغلاها، وأثمنها، وهي إرهاص لمرحلة جديدة في تاريخ الإسلام، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أن تكون همزة وصل لما مضى من السنين مع ما يأتي بعدها، ليستمر بناء الحضارة الإسلامية على أسس متينة من شريعة الله جل وعلا، ولتستظل أمم الأرض بعدلها، وأمنها فكراً وحساً .
مشروعية الحج
فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة على أصح الأقوال .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ست معتمراً، وأحرم من ذي الحليفة، فلما بلغ الحديبية صده المشركون ثم صالحوه على أن يعود من العام المقبل معتمراً ويخلوا مكة ثلاثة أيام ولياليها، ويصعدوا رؤوس الجبال فحل من إحرامه، ونحر سبعين بدنة كان ساقها، ورجع إلى المدينة .
فلما كان في قابل أحرم بالعمرة من ذي الحليفة في ذي القعدة، وأتى مكة، وأقام بها ثلاثة أيام وفرغ من عمرته.
فلما كان سنة ثمان من الهجرة ونقض أهل مكة العهد خرج صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى مكة فافتتحها، واستعمل على الحج عتاب بن أسيد، وحج على ما كانت العرب عليه، ثم بعث صلى الله وسلم عليه أبا بكر فأقام للناس الحج سنة تسع وأردفه بعلي رضي الله عنه يؤذن بسورة براءة .
وفي السنة العاشرة من الهجرة لما اقتربت وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى “ أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثله وخرج صلى الله عليه وسلم إلى مكة وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر “.
حج الرسول
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الإسلام، وكانت إعلاماً بكمال الشريعة الغراء بأوضح مايكون، دون لبس أو غموض، لما بثه خلال جهاده صلى الله عليه وسلم الفترة الماضية، التي أرسى فيها مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها : الدينية، والتشريعية، والمدنية ،والأخلاقية، على مدى ثلاثة وعشرين عاماً بطريقة عملية تجلت في أسلوب تعامله مع الأحداث، وعاها صحابته الكرام، فكانت هذه الحجة فرصة للتذكير بتلك المبادئ التي يقوم عليها المجتمع المسلم، والتأكيد عليها، فهي خلاصة وافية بليغة لكل ما نثره من تشريعات، ومبادئ خلال تلك الفترة الطويلة بصفته مبلغاً عن الله: نبيا، ورسولاً، أوقائداً، أوحاكما، أو قاضياً، أو مفتياً، أو مرشداً ناصحاً، وغير ذلك من الوظائف الدينية والمدنية التي اضطلع بها صلى الله عليه وسلم، وكان لها الأثر الكبير في مستقبل الأمة عقيدة وشريعة، ومنهجاً حضارياً فريداً .
التحليل المعلوماتي للخطبة
الجديد في الدراسات المتعلقة بخطبة حجة الوداع ما قام به الأستاذ إدريس الخرشاف في مجلة البلاغ من تحليل موضوعي معلوماتي لخطبة حجة الوداع، يقول في استعراضه لما توصل إليه من نتائج :
“ إن التحليل المعلوماتي الكومبيوتري لخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تفتح أمامنا آفاقاً حضارية جديدة لتراثنا نستطيع بها مواكبة التغيرات المعاصرة، بل وتحريكها.
لقد جمع في خطبته : الوعظ، والمعيشة، والحياة في كلمات متناسقة روحية، وتعابير ميسرة، ونماذج علاجية لتكون في متناول الإنسان البسيط، وبين للناس واجباتهم وحقوقهم، من أجل بناء مجتمع متراص يشد المؤمن بعضه بعضاً، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع اللمسات الأخيرة على مشروع البناء الحضاري للمسلمين حتى لا يخرجوا عن جادة الطريق، فحينما يقرأ صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لك الإسلام ديناً) يكون بذلك قد حمل المسؤولية إلى الأفراد والجماعة ؛ لأن ما ذكر في كلامه وهو الذي لاينطق عن الهوى يعتبر بمثابة مجموعة سلسلة من المعاملات يجب أن تظل منقوشة في أذهاننا؛ لأنها تمثل علاقته بربه ومجتمعه، ستبقى مستمرة التطبيق في الزمان والمكان الإنساني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
قسم الأستاذ الباحث الخطبة النبوية إلى تسع وحدات، وتوصل إلى:
“أنها وحدات مستقلة فيما بينها عدا الوحدة الثانية، والوحدة السادسة فهما مرتبطتان نوعاً ما بواسطة تحريم امرئ مال أخيه “
نص الوحدة الثانية : وذلك عندما توجه موكب رسول الله صلى عليه وسلم إلى عرفة :
“ فلما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت، فأتى بطن الوادي فخطب الناس … قال ابن إسحاق :
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس : اسمعوا قولي فإني لاأدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً .
أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فسائلكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، قضى الله أنكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وأن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دم الجاهلية..”.
الوحدة السادسة: أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد “
حرمة الدماء، وحرمة الأموال جاءت في بداية اهتمامه صلى الله عليه وسلم في خطبته، هما أساس الكيان الإنساني والبناء الحضاري، لهما حرمتهما العظيمة في الشريعة الإسلامية، وهما موضوع هذه المحاضرة.
حقن الدماء
الدماء في مقدمة (الضروريات) الخمس في الشريعة الإسلامية، الواجب المحافظة عليها، يعبر عنها فقهاً بـ(حفظ النفس الإنسانية) . (النفس الإنسانية) مكرمة، مقدسة في موازين الشريعة الإسلامية حفظ النفس تأتي في الشريعة الإسلامية تحت عناوين مختلفة منها: (عصمة الدماء)، (حرمة الدماء).
جسد القرآن الكريم أهمية النفس الإنسانية وحرمتها، وعظم شأنها في الشرائع السماوية السابقة في آيات عديدة، يقول الله تعالى:
(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون).
وقوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً).
وقوله تعالى (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) إلى قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس، أوفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك لمسرفون).
ومما أصبح مقرراً في الشريعة الإسلامية :
(أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد عليه ناسخ).
وفي معنى هذه الآية الكريمة يروى “ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المعنى : من قتل نفساً واحدة، وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعاً، ومن ترك قتل نفس واحدة، وصان حرمتها، واستحيا من أن يقتلها فهو كمن أحيا الناس جميعاً … “
أورد الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى إشكالاً في معنى ما تضمنته هذه الآية الكريمة : “ وهو أن قتل النفس الواحدة كيف يكون مساوياً لقتل جميع الناس، فإن من الممتنع أن يكون الجزء مساوياً للكل ؟”
ذكر رحمه الله تعالى أن: الجواب من وجوه:
الأول: المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان، وتفخيم شأنه، يعني كما أن قتل كل الخلق أمر مستعظم عند كل أحد، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مستعظماً مهيباً، فالمقصود مشاركتهما في الاستعظام، لا بيان مشاركتهما في مقدار الاستعظام، وكيف لايكون مستعظماً وقد قال الله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً …”
من هذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن مكانة بني آدم وتميزهم على جميع المخلوقات بما خصهم الله من صفات وخصائص قوله تعالى :(ولقد كرمنا بني آدم)، “ والمراد ببني آدم جميع النوع، فالأوصاف المثبتة هنا إنما هي أحكام للنوع من حيث هي، كما هو شأن الأحكام التي تسند إلى الجماعات وقد جمعت الآية خمس منن : التكريم، وتسخير المراكب في البر، وتسخير المراكب في البحر، والرزق من الطيبات، والتفضيل على كثير من المخلوقات “. المحافظة على النفس الإنسانية مطلوب شرعاً بكل وسيلة من الوسائل، إلى مدى أنه لو كانت لاتتأتى إلا بمحرم من الدواء فإنه لايحرم تعاطيه عند ما يكون سبباً وحيداً في شفائها من علتها، والإبقاء على حياتها، حتى استنتج البعض لهذا قاعدة (حفظ الأبدان مقدم على صحة الأديان) ،وكذلك بمشروعية الاستشهاد دفاعاً عنها.
أحاطت الشريعة الإسلامية النفوس بسياج منيع من التشريعات التي تضمن المحافظة عليها ؛ ذلك أن المجتمع الإنساني لاينمو، ولا يعمر، ولا يتطور ما لم يكن الأفراد آمنين على أرواحهم، ولهذا جاءت التشريعات في الإسلام فيما يخص دماء الناس وحياتهم بتشريعات فريدة، فالنفس الإنسانية لها عصمتها من الاعتداء
حرمة الدم
عظم الإسلام دم الإنسان بعامة، ودم المؤمن بخاصة ؛ لأنه خليفة الله في أرضه، أوجده الله عز وجل، وهيأ له كل أسباب الحياة ليخلص له العبادة، وليعمر الكون، ولا يتأتى هذا إلا بإحاطته بسياج من الأمن، والحفظ، فجعل حرمته من أعظم الحرمات التي يجب أن لاتستباح إلا بسبب مشروع، فهو في الأصل معصوم الدم، جاء هذا التعظيم على لسان رسول الله صلى عليه وسلم في أحاديث صحيحة عديدة منها ما رواه النسائي بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) ،وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه “ والذي نفسي بيده لو تمالأ أهل السماء والأرض لأكبهم الله في النار” ، وفي حديث آخر عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر : الإشراك بالله، وقتل النفس، واليمين الغموس “.
وفي حديث آخر عن عبد الله أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: “أول ما يحكم بين الناس في الدماء “.
“ سئل ابن عباس عمن قتل مؤمناً متعمداً، ثم تاب، وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟
فقال ابن عباس: “وأنى له التوبة، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: يجيء متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً يقول سل هذا فيم قتلني ؟ ثم قال: والله لقد أنزلها وما نسخها “
وقد قررت السنة النبوية أيضاً عصمة دم الآدمي :
يروي الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من أئمة الفقه والحديث الأحاديث الكثيرة الدالة على تحريم الدماء والأموال وعصمتهما، من ذلك ما يرويه :
“عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : لاأزال أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)”
المقصد من القصاص
الشريعة الإسلامية التي قررت تلك العصمة هي التي توجب القود والقصاص من المعتدي إقامة للعدل بين أفراد الأمة، وإشاعة للأمن، فهو صمام أمان الحياة الاجتماعية . الأخذ على يد المعتدين يردع المستهترين .
هذا هو المقصد الأساس من أحكام القصاص في النفس فما دونها، فمن ثم يقول المولى جل وعلا : (ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب) ؛لأن القصاص وإن لم يكن في استيفائه حياة فوجوبه سبب للحياة ؛ لأن القاتل إذا علم بوجوب القصاص عليه كف عن القتل، ولم يقتص منه فصار حياة لهما “ .
الأسباب الموجبة للقتل
حددت السنة النبوية المطهرة الأسباب الموجبة لقتل الآدمي وجعلته في أضيق الحدود محافظة على الأمن، ومن دون إفراط في حق القاتل، أو تفريط في حق المقتول، وذلك: بإحدى ثلاث خصال : كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس ظلماً وتعدياً، وهنا يندرج المحارب، والفساد في الأرض يجمع الزنا، والارتداد، والحرابة …”
عقوبة الإسلام لقاتل نفس ظلماً وعدواناً من أعظم العقوبات بعد الشرك بالله عز وجل، روى الإمام البخاري رحمه الله “عن زبيد بن وائل قال : سمعت أبا وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر
خرق حرمة الآدميين
وبرغم هذه التأكيدات التي توجب حقن دماء الآدميين فضلاً عن المسلمين فقد ابتلينا في العصر الحاضر بالاستهانة بالدماء، وعدم مراعاة حرمة النفوس على مستوى الأفراد، والجماعات، بل إنها رخصت في نظر فئة من الناس تدعي ظلماً وزوراً أنها تريد الإصلاح، و تقيم تعاليم الإسلام، تهدر الدماء التي عظمها الشرع الشريف فأزهقوا النفوس البريئة بغير حق ،مما أقلق مجتمعات كاملة، وأقض مضاجع الآمنين، ومثل هذا لم يكن في سيرة رسول الله صلى عليه وسلم يوم كانت الدنيا ممتلئة كفراً وعتواً، بل سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقويم المجتمع المنحرف عن الجادة الأساليب السليمة، والطرق السلمية، ولم يكن من سيرته صلى الله عليه وسلم الاعتداء على الآمنين، بل كان مسالماً يتعامل مع الأعداء بحكمة و رفق وهو في ذروة قوته .
تعيش المجتمعات المسالمة الآمنة في الوقت الحاضر ويلات هذه المؤامرات تحت أسماء وعناوين متنوعة، وبادعاءات غير مبررة، ومهما يكن من أمر فهي بتوجهاتها وأفعالها بعيدة عن تعاليم الإسلام وتوجهاته، وإن كانت تدعي نسبتها إلى الإسلام.
إن كانت لهم شبه فالسبيل إلى إزالتها، ينبغي أن يكون سلمياً، وليس دموياً، وذلك بعرضها على أهل العلم بحقائق الأمور وبواطنها السياسية، والدينية، والاجتماعية الذين يدركون أبعادها.
ليس الاعتداء على أرواح الآدميين، وإهدار دماء المسالمين من الإسلام في شيء مهما كانت مذاهب المعتدى عليهم، ونحلهم، ودياناتهم.
أصبحت حياة الناس هدفاً لهؤلاء لايعبأ بحرمتها من قبل جماعات تدعي التدين، وهي تطعن الدين في ما عظَّم المولى جل وعلا حرمته، وهو الإنسان الذي كرمه، وجعل دمه معصوماً.
صور من الخرق
يأخذ الاعتداء على حرمة الآدميين والمجتمعات في وقتنا الحاضر دعاوى، وصوراً، وأشكالاً عديدة في الحياة الاجتماعية من أهمها:
الاعتداء على النفوس بمجرد خصومة بين اثنين على أمور تافهة، لاترقى إلى أن تكون سبباً لإزهاق النفس، وإنما هي الحمية، والغضب .
ومنها المظاهرات التي يسفك فيها الدماء، وتضطرب الأمور وتستباح الأموال، وتخرب الديار، فإن هذا يعتبر من الإفساد في الأرض (والله لايحب المفسدين).
ومنها: افتعال أسباب الحروب من تجار الحرب الذين يروجون لتجارة السلاح بما يثيرونه من حروب وفتن، طمعاً في الثراء، ودون مبالاة بالأرواح.
ومنها تنافس الأحزاب والجماعات على القبض بمقاليد السلطة والنفوذ وحبك المؤامرات التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح، والفوضى في المجتمع بقصد التغلب على منافسيهم، ودون مراعاة لتعظيم المولى عزوجل وشرائعه لحرمة الدماء المسفوكة بغير حق، يتصدى الأخ لأخيه دون مبالاة، أو إقامة وزن للروابط الأخوية والإنسانية، وحرمة سفك الدماء، واستعراض للقوى والعضلات، مع انصراف تام عن العدو المشترك فكيف بالله يأتي النصر!!!؟.
ومنها الاعتداء على الآمنين المسالمين في مقر مجمعات، ومجتمعات آمنة، واختراق لمقر سكناهم ومعيشتهم، دون مراعاة للحرمات .
ليس من الإسلام في شيء سفك الدماء، وعدم مراعاة حرمتها، على مستوى الأفراد، والجماعات، والدول، بل الإسلام منهم براء.
هذا بعض ما ابتليت به المجتمعات في عصرنا الحاضر، الإسلامية وغير الإسلامية، من دون إعطاء أي اعتبار للأوامر السماوية، والتشريعات الدينية، والقوانين الوضعية ،تدبر لهذا الاختراق التشريعي دول ظالمة، وجماعات مضلَّلة ومضلَّلة.
قواعد حرمة الدماء
في ضوء مصادر التشريع الإسلامي نظم الفقهاء المسلمون أطر حرمة الدماء وصيانتها، ووسائل المحافظة عليها من الكتاب والسنة، بقواعد وقوانين محكمة تتفق ومقاصد الشريعة لتحقيق العدالة، وتضمن أمن المجتمع وسلامته، من هذه القواعد:
الأصل في الدماء التحريم.
في القصاص حياة.
تدرأ الحدود بالشبهات.
الجروح قصاص.
من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
يقتل الشريف بالدنيء، والدنيء بالشريف، والعربي بالعجمي والعجمي بالعربي.
يقتل العدد بالواحد
إلى غير ذلك من القواعد والضوابط الشرعية التي استنبطها فقهاء الأمة رحمهم الله سعياً لصيانة الدماء، وحفظاً لبيضتهم، على أن تتوجه قواهم وسهامهم إلى الأعداء الذين سلبوهم أوطانهم، وقتلوا أبناءهم، وأخرجوهم من ديارهم.
حرمة الأموال
أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حرمة الأموال إلى جانب الدماء ،توج به مشواره الأخير في قوله (أيها الناس : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ،وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فسائلكم عن أعمالكم، وقد بلغت…) .
المال: هو ما يملكه الفرد من جميع الأشياء، وهو في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان. وهو اسم للقليل والكثير من المقتنيات.
معلوم ضرورة أن المال قوام الحياة وعصبها، يستحيل عمار الدنيا التي استخلف المولى جل وعلا الآدميين على صلاحها بدونه، فأمدهم بكل ما يصلح دنياهم من أجل صلاح آخرتهم، حث الشرع الشريف على العمل لكسبه، و المحافظة عليه تداولاً، وتعاملاً، وإنفاقاً .
عالج الإسلام أمور الأموال معالجة حكيمة من الناحية التشريعية، والأخلاقية، وضع تعاليمه في ضوء مصالح العباد وما يصلح شؤونهم الحياتية، راعى فيه جميع الجوانب الدينية، والنفسية، والاجتماعية: المصالح، والمفاسد بالنسبة للمجتمع والفرد كافة ؛ فمن ثم جاءت تشريعاته في قضايا المعاملات مرنة ميسورة مهما امتد بها الزمان، وتطورت العقود، أو جدَّت.
الكسب الطيب الحلال، والتدبير الرشيد في الإنفاق محور النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، واستنباطات الفقهاء ،وجهت من خصهم المولى جل وعلا بالثراء إلى تحمل هذه الأمانة بالتصرف الحكيم في الأموال كسباً، وتدبيراً، وإنفاقاً .
البقية …. غدا
https://www.okaz.com.sa/article/151611